فيروس كورونا المستجدّ سيُطيل الصراع في الشرق الأوسط

لقد حلّت جائحة فيروس كورون المستجدّ (كوفيد 19) في أسوأ وقت لمنطقة الشرق الأوسط. فمنذ أن هزم التحالفُ الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة تنظيمَ داعش ، ما برحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتاااس فما زال معظم المنطقة غارقاً في صراعات جارية ، إذ ل لم تنتهِ الحرب الأهلية في سوريا ، فيما ليبيا واليما وار

ولا يمكن الاستهانة أبداً بالكلفة البشرية لهذه الصراعات الجارية: فقد قُتل مئات الآلاف وهُجّر الملايين. أما أولئك الذين دفعتهم الصراعات إلى عيش حياة من البؤس والحرمان فأعدادهم أعلى بكثير. فقد هجّرت الحرب في سوريا داخلياً وخارجياً أكثر من 12 مليون شخص (نصف عدد سكان البلاد) يُضاف إليهم أكاران وفي ليبيا ، نزح أكثر من 435 ألف شخص. وتطول لائحة الأرقام المقلقة: قرابة 11 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في سوريا و 24 مليوناً في اليمو و ميييا في

يواجه الشرق الأوسط لحظة فاصلة ، زلزالاً له تداعيات عابرة للحدود سيزعزع الدول التي تمكّنت من إبقاء الصراعاتح. وفي البلدان التي تراجعت فيها قدرة استيعاب الدولة بشكل كبير أو انتفت, يمكن أن تكون تداعيات فيروس كورونا المستجد تحولية, فتوسع نطاق الميليشيات والإرهابيين والجهات الفاعلة المسلحة ما دون الدولة التي ملأت فراغات حوكمية لتقديم خدمات للمجتمعات المحلية, وجمعت مع ذلك الإخضاع الشديد في بعض الأحيان.

وسيكون أثر الجائحة في أعلى مستوياته في الدول التي تعاني الصراعات. ففي ليبيا وسوريا واليمن ، استهدفت الفصائل المتناحرة والجهات الخارجية الراعية لها المستشفيات ومنشآت العناية الصاية. في غضون ذلك ، تتحارب النخب السياسية والميليشيات والقوى الخارجية المنخرطة في حروب بالوكالة بشراسة لكراا المول

واحتمالات أن تدفع الجائحة بهذه الصراعات نحو السلام ضئيلة لا بل يمكنها أن تصبح عاملا مضاعفا للصراعات, مع عمل الجهات المتحاربة على تعزيز تنافسها على الأراضي والموارد التي تشمل الآن تركيزا موسعا على ضمان قدرة الوصول إلى الإمدادات الطبية الحيوية. وتشكّل الأزمة فرصة لتعزيز سمعتها ولزيادة الصراعات المتأجّجة في المنطقة وترسيخ مواقعها في خضمّ ذلك. بعبارة أخرى ، لن يشكّل فيروس كورونا المستجدّ دعوة لتحقيق سلام دائم.

صراعات في أرجاء المنطقة

في ليبيا, وكما أشار فريدريك ويهري وآخرون, منحت الجائحة الميليشيات دفعا, عبر منحها فرصة لتحويل المساعدات الطبية إلى مقاتليها واستغلال الأزمة كأداة لمكافأة شبكات الرعاية والمجتمعات المفضلة لديها وتعزيزها. والمقلق أنّ المستشفيات في ليبيا تخضع بشكل منتظم إلى هجمات صاروخية ، مما يفاقم الوضع.

وفي اليمن, داهمت الميليشيات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة ميناء عدن الجنوبي وسرقت مساعدات طبية تبرعت بها منظمة الصحة العالمية, من ضمنها تسع سيارات إسعاف مرسلة إلى وزارة الصحة. وشهد الصراع في اليمن هجمات عشوائية دمرت المنشآت الطبية وإمدادات المياه, مما زاد من ما وصفه المجتمع الدولي أسوأ أزمة بشرية من صنع الإنسان في العالم, بما فيها أسوأ تفش للكوليرا في التاريخ الحديث. وفي لبنان ، رسّخ حزب الله مكانته كبديل عن الدولة اللبنانية عبر تخصيص قرابة خمسة آلاف طبيب ومسعف وممرح اللمك

وفي العراق, كثف تنظيم الدولة الإسلامية هجماته على البلدات في شمال العراق ويحاول الاستفادة من أزمات بغداد المتراكمة التي تشمل التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران وانخفاض أسعار النفط والاحتجاجات التي تغطي البلاد بأسرها. ففي خلال أزمة صحة عامة, بإمكان تنظيم الدولة الإسلامية إعادة إحياء نفسه وتوسيع نفوذه عبر تلبية حاجات المجتمعات المحلية بطرق لم تلبها السلطات الأخرى, على غرار الحكومة العراقية. وبحدّ أدنى ، تسمح إخفاقات بغداد لتنظيم الدولة الإسلامية بوضع نفسه في موقع يجعله بديلاً عمليّاً. ومع حملة التخويف والترويع والاغتيالات المستهدفة والابتزاز التي ينتهجها التنظيم حاليا, يعطيه الوضع الراهن بنية تحتية مرقعة وسرية لنفوذه تشكل منصة ينطلق منها للاستيلاء على البلدات والمدن كما فعل في يونيو 2014.

وفي سوريا ، أطاحت الحرب الأهلية بالهيكليات الحاكمة الرسمية وعمل نظام الأسد وروسيا على تدمير المستشفيات منذبات الاسات المستات المسر وسوريا هي على أرض الواقع ثلاثة بلدان: مناطق خاضعة للنظام والشمال الشرقي ذات الأغلبية الكردية وفي الشمال الغربي إدلب التي تحظى بما معدله 1,4 طبيب لكل عشرة آلاف شخص ومئة جهاز تنفس فقط. وتزيد الجائحة من احتمالات بروز موجة لاجئين أخرى تُضعف قدرات البلدان المجاورة مثل تركيا ولبنان على تلبيا الاناا وتضغط أيضا على المجموعات الموالية للغرب مثل قوات سوريا الديمقراطية ذات الأكثرية الكردية التي يعول عليها الغرب للمحافظة على العمليات القتالية ضد تنظيم القاعدة وإدارة السجون التي تضم مقاتلين معتقلين من التنظيم. وتستضيف قوات سوريا الديمقراطية مخيّمات للاجئين مثل مخيّم الهول الذي يأوي 70 ألف لاجئ ، من بينهم محاربون من السواماتا

وسوف تتفاقم الويلات الإنسانية في سوريا إن لم تعتمد هذه المناطق المحصورة استجابة جماعية للجائحة. فينبغي على الجهات الفاعلة على الأرض الامتناع عن استهداف خطوط التموين وإتاحة المجال أمام المساعدة الخارجية. وقد قطعت القوات الموالية للأتراك إمدادات المياه عن المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في الشمال الغربي, مما يعيق قدرة المنظمات الإنسانية على حماية المجتمعات الضعيفة في خلال الجائحة. في غضون ذلك ، رفض نظام الأسد توسيع نطاق الدعم الذي يتلقّاه من منظمة الصّحة العالمية إلى المناطق غير الخاضرتت اللسيط وهذا يصبح افتراضياً إدانة لمنظمة الصحّة العالمية التي ترفض العمل خارج منطقة دمشق الخاضعة للنظام. فهذه المؤسسات, بحكم بنيتها, مشلولة وغير متلائمة مع مناطق الصراعات بسبب المعايير الدولية التي تحصر عملها ضمن المناطق الخاضعة للسيادة, على الرغم من أن نظام الأسد لا ينبغي أن يتمتع بالمنافع التي تقدمها سيادة الدولة نظرا إلى سلوكه الفظيع.

ما تعنيه الجائحة للسلطات الرسمية وغير الرسمية

لا يبشّر فيروس كورونا المستجدّ بالخير للسلطات الرسمية والتقليدية التي حاولت احتواء نفوذ الميليشيات وشرعي. فالنخب السياسية كانت تعاني أصلاً نطاق عمل محدوداً وتواجه تحديات سياسية واجتماعية اقتصادية أخخرى سبق أن فلبنان مثلا على شفير الإفلاس ويعاني مستويات عالية من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي, فيما يواجه العراق (حيث تلقت وزارة الصحة نسبة 2,5 في المئة فقط من موازنة الدولة البالغة 106 مليارات دولار) ازديادا حادا في الشباب وتدهورا اقتصاديا وبنية تحتية متهلهلة.

في خضم ذلك, من شأن أزمات على غرار فيروس كورونا المستجد أن تمنح السلطات غير الرسمية مثل الميليشيات والجهات الفاعلة ما دون الدولة فرصة لتنفيذ تعليمات سياسية عبر الإظهار للناس أنها قادرة على تقديم أداء أفضل, ضاربة شرعية القوى الرسمية عرض الحائط. من جهة أخرى ، تعاني المجموعات المسلّحة خطر تراجع شرعيتها في حال لم تؤمّن استجابة احتوائية. ويعتمد ذلك على حجم الأزمة ومدّتها وعلى تطبيق مؤسّسات الدولة استراتيجيةً احتوائية فعّالة أم عدمه.

في غضون ذلك ، تقدّر الأمم المتحدة أنّ الجائحة ستُغرق 8,3 مليون شخص في الفقر. وعندما يُضاف هذا الرقم إلى معدّلات الفقر الحالية يعني هذا أنّ ما مجموعه 101 مليون شخص على اللقلّ سيُصنّف فقيراووي. ًًًُ والأشخاص اليائسون ، والشباب عموماً ، عرضة أكثر للانضمام إلى ميليشيات أو مجموعة متطرّفة يمكنها أن تقدحم ما

ويكمن التحدّي أمام صانعي السياسات حول العالم في وضع استجابة تركّز على الجائحة وتستفيد أيضاً من الاستراتيجاتي المتاتي وينبغي على القادة العمل للحدّ من قدرة الجائحة على التفشّي مجدداً ووقف أي تداعيات طويلة الأمد على تحديات الحوكمة الروه

لكن في المقام الأول, ينبغي القيام بجهد جماعي للحرص على أن تحظى المجتمعات, ولا سيما المجتمالهشة منها, بقدرة وصول إلى المنشآت الطبية وإمدادات المياه, مما يسمح بممارسة النظافة الصحية الأساسية على غرار غسل اليدين. وينبغي أن يكون الدعم الدولي في خلال الجائحة مشروطا لكيلا يتم استعماله كسلاح ولا يفرق بين المجتمعات المختلفة, وإلا قد تعزز الإمدادات الطبية للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية ديناميات الصراع, فتعود بالفائدة على بعض شرائح المجتمع وتضر بأخرى.

Vous pourriez également aimer...